للنبي صلى الله عليه وسلّم سمات كثيرة وأخلاق حميدة يصعب إيجازها ولكن سنذكر أبرزها لعل المعترض يعلم حقيقة أخلاق هذا النبي الكريم والمكارم التي بُعث لإتمامها لإن الأخلاق لا تتعارض مع قتاله لأعدائه صلى الله عليه وسلم إذ أن الأخلاق سلوكيات لا تتعارض مع دعوته بالسيف.
أولاً, التواضع:
يقول الله سبحانه وتعالى : (( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) [ لقمان : 18 ].
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام أنه كان في سفر ، وأمر أصحابه بطهو شاة ، فقال أحدهم : علي ذبحها ، وقال آخر : علي سلخها ، وقال ثالث : على طبخها ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وعلي جمع الحطب )) فقالوا يا رسول الله ، نكفيك العمل ، فقال : (( علمت أنكم تكفونني ، ولكن أكره أن أتميز عليكم ، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه )) [ شرح الزرقاني 4 : 265 ].
ومن أقواله عليه الصلاة والسلام في الحض عل التواضع قوله : (( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ سيرة ابن هشام ].
ثانيا, الصدق:
لقد كان الصدق من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام، فقد كانت قريش تعرف محمداً قبل أن يتنزل عليه الوحي بـالصادق الأمين.
وحتى عندما بدأت الرسالة، وأراد أن يدعو قريشاً اعترفت بصدقه قبل أن يتكلم عن رسالته، فعندما صعد الصفا وقال: (( يا صباحاه ))، كي تجتمع له قريش، فاجتمعت على الفور وقالوا له: مالك ؟
قال : (( أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدقونني ؟ ))
قالوا : بلى ، ما جربنا عليك كذباً أنت الصادق الأمين .
قال : (( فإني نذير لكم بين يدي عذاب أليم )).
وها هو هرقل ملك الروم وإمبراطور الروم يسأل أبا سفيان في ركب من قريش بعد صلح الحديبية فيقول : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فقال أبو سفيان : لا ، فقال ملك الروم : ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . [ تاريخ الطبري 3 : 86 ].
ثالثاً, الأمانة:
وقد عرف الناس أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فكانوا يسمونه الأمين [ سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري 2 / 251 ].
وقد تعددت وكثرت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحض على الأمانة ترغيباً وترهيباً منها:
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجره )) [ رواه البخاري ].
رابعاً, الوفاء:
حديث عبدا لله بن أبي الحمساء إذ قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم تذكرت بعد ثلاث ، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال : (( يا فتى لقد شققت علي أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك )).
روى البخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بهدية قال : (( اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة ، إنها كانت تحت خديجة ))
خامساً, العدل:
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على العدل والمساواة في أحاديث كثيرة بعد ضرب المثل والقدوة للناس عملياً وقال عليه الصلاة والسلام: (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته )).
وكان عليه الصلاة والسلام يعدل ويتحرى العدل بين زوجاته ثم يعذر إلى ربه وهو مشفق خائف فيقول: (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )).
سادساً, الكرم:
إن الكرم المحمدي كان مضرب الأمثال، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً. فقد سأله رجل حلة كان يلبسها فدخل فخلعها ، ثم خرج بها في يده وأعطاه إياها . ففي صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبدا لله رضي الله عنه قال: (( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا)). وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (( ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا )).
سابعاً, الزهد:
والمراد بالزهد الزهد في الدنيا ، وذلك بالرغبة عنها ، وعدم الرغبة فيها ، وذلك بطلبها طلباً لا يشق ، ولا يحول دون أداء واجب ، وسد باب الطمع في الإكثار منها والتزيد من متاعها ، وهو ما زاد على قدر الحاجة ، وإليك هذه المواقف التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس :
قال عليه الصلاة والسلام لعمر وقد دخل عليه فوجده على فراش من أدم حشوه ليف فقال : إن كسرى وقيصر ينامان على كذا وكذا ، وأنت رسول الله تنام على كذا وكذا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( مالي وللدنيا يا عمر ، وإنما أنا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها ))
وكان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه قائلاً : (( اللهم اجعل قوت آل محمد كفافاً )) أي بلا زيادة ولا نقصان .
و كان عليه الصلاة والسلام أشجع الناس، و كان ينطلق إلى ما يفزع الناس منه، قبلهم، و يحتمي الناس به، و ما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه.
و كان عليه الصلاة والسلام يُخاطب جلساءَ ه بما يناسب . فعن زيد بن ثابت، قال: "كنا إذا جلسنا إلي الرسول إنْ أخذنا في حديث في ذكر الآخرة، أخذ معنا، و إنْ أخذنا في ذكر الدنيا، أخذ معنا، و إنْ أخذنا في ذكر الطعام و الشراب، أخذ معنا".
وكان يبادر من لقيه بالسلام والتحية و هو علامة التواضع.
كان لا يعيب طعاماً يقدم إليه أبداً ، وإنما إذا أعجبه أكل منه ، وإن لم يعجبه تركه .
يتكلم على قدر الحاجة، لا فضول ولا تقصير.
لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
يسألُ الناس عما في الناس ، ليكون عارفاً بأحوالهم و شؤونهم .
و كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، و يخصف نعله، و يأكل مع العبد، و يجلس على الأرض، و يصافح الغني و الفقير و لا يحتقر مسكيناً لفقره و لا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، و يسلم على من استقبله من غني و فقير، و كبير و صغير.
وصدق الباري بوصف هذا النبي بأنه على خلق عظيم؛ هذه أخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وآله التي يسأل عنها المعترضون.